الخميس، 17 أبريل 2008

يأس

يأس

نزل عم على البواب من الدور الثانى الذى تقطن به احدى مذيعات القنوات الفضائية - التى بالطبع يجب أن تكون بنت فلان الفلانى المذيع المشهور أو زوجة علان العلانى رجل الأعمال و ذات مظهر سىء يجبر المشاهد على عدم الأقتراب من القناة التى تتبع لها-

محملا بأكياس بلاستيكية عليها اعلانات زجاجات ويسكى و خمرة تظهر أن الأكياس تم الحصول عليها من احدى الأسواق الحرة.

تردد صوت عم على عبر السلم الرخامى : ( أنت ياد يا عبد الحميد تعالى ساعدنى)
ظهر من غرفة جانبية بالدور الأرضى شاب لا يزيد عمره عن 17 أو 18 عاما ،مفتول العضلات ، تظهر عليه علامات البؤس و الحياة اليابسة الخالية من أى متع أو ترفيه، ملامح وجهه مشققة كأنه كهل ،عيناه مليئتان بحزن عميق تجبرمن ينظر فيهما على الشعور بالشفقة تجاهه ؛ ظهر صوته العميق ، المكتوم و كأنه يتكلم من أحشائه: (حاضر يابا أنا جاى)

حمل عبد الحميد عن أبيه الأكياس البلاستيكية و عاد عم على الى الصعود مرة أخرى وظهر وجه المذيعة من بين الباب الموارب و هى تقول بسرعة وتتلعثم فى الكلام (خد الشنط دى يا عم على بسرعة و حطهالى فى العربية، الطيارة فاضل عليها ساعة غير المشوار)

نزل عم على من على السلم مرة ثانية محملا هذه المرة بحقائب الهاند باج و نادى على ابنه - عبد الحميد - مرة أخرى لكى يحمل عنه هذه الحقائب وهو يقول بصوته الوقور الذى تشعر بأنه يصدر عن حكيم من حكماء الزمان: (حط الشنط دى كمان فى العربية بتاعت الست أحلام، و الله ناس فاضية مسافرة لوحدها و شايلة على قلبها شنط تكفى حجات كل سكان العمارة)

أخذ عبد الحميد الحقائب و أوصلها لسيارة أحلام المذيعة الفارهة و هو يستعيد فى ذاكرته القصة التى سمعها من أكثر من شخص عن هذه السيدة

" أحلام سمير تبلغ من العمر 28 عاما متخرجة من كلية اعلام بالجامعة الأمريكية عاشت معظم حياتها مع أبيها رجل الأعمال المشهور ثم تزوجت أحد أبناء أصدقائه و بعد الزواج بثلاثة أشهر مات أبوها و ترك لها ثروة لا تعد ولا تحصى و شركات تعتبر من كبرى شركات السوق و بعد موت أبيها بشهر واحد مات زوجها و هو فى الثلاثينيات من عمره و طبعا ورثت عنه أموال كثيرة و أفتتحت قناتها الفضائية الخاصة و أودعت أموالها فى احدى البنوك كوديعة تعيش على فوائدها و جاءت الى منطقة الدقى و أشترت الشقة التى تسكن بها الان و تعيش بها وحدها و دارت عدد من الشائعات فى المنطقة أنها ستتزوج أحد رؤوس الحكم الذى تردد عليها أكثر من مرة فى الاونة الأخيرة"

بعدما دارت كل هذه الخواطر برأسه تنهد عبد الحميد قائلا: (ناس الأكل يجيلها لحد بؤها و ترفضه و ناس بتدور عن الأكل فى الزبالة، دنيا)

بعد حوالى عشرة دقائق ظهرت أحلام من على بوابات المنزل و هى تسرع باتجاه سيارتها و وصلت اليها و فتحته و ركبت أخذ عبد الحميد بتنظيف زجاج السيارة حتى بدأت السيارة تمشى فابتعد عبد الحميد و قال لها: (ترجعى بالسلامة يا ست أحلام)

ففتحت زجاج سيارته و أخرجت من حقيبتها عشرة جنيهات دستها فى يده و انطلقت بسيارتها و صدر صوت احتكاك العجلات بالأسفلت و نقل له الهواء ترددات وايقاعات أغنية أجنبية لم يفهم منها كلمة، و أخذت الايقاعات تخفت و تخفت حتى أختفت مع السيارة من مجال السمع و الرؤية .

التفت عبد الحميد راجعا الى المنزل متعجبا لماذا تسرع ، ماذا سيفوتها ، ألم تر حياته البائسة ، ألم تعلم أنه يتمنى أن يحصل على ثمن المتع التى تحت رجلها و يكون شاكر لفضل ربه، كل فترة تدس فى يده عشرة جنيهات و هى لا تعلم أنها تذهب أدراج الرياح فى ساعة واحدة، يندب حظه الذى جعله يولد فى مثل هذا المناخ البائس، يفكر فى ذنبه فى أن يعيش مثل هذه الحياة المتقشفة، ماذا فعلت واحدة مثل أحلام لتحصل على كل هذه الثروة ؟ لا شىء، لكنه يعود و يندم على هذه الخواطر و يستغفر ربه و يصلى ركعتين .............

()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()

عمر أسامة الباز- 16 عام

ليست هناك تعليقات: